الإمام  غسان بن عبد الله الخروصي

 

                      وغسـان الهـمام إمـام عـدل           بـنار وغـى أعـاديه أذابــا

               وقد قطع البوارج عـن عمـان           فمـا منهـم لهـا بالـشر آبـا

               قضـى لا ناطـق عـنه بلعـن           لـسان  شـب فـي ثغر وشابا

 

لما مات الإمام الوارث بن كعب رحمه الله ورضى عنه بايعوا بعده غسان بن عبدالله يوم الاثنين لست خلون من جمادى  الأولى سنة 192هـ في عهد هارون الرشيد ، وقد قام غسان الإمام بحقوق الاسلام ومراشد الأنام للصالح العام.

  بعض أعماله وأخباره :-

ومن أهم أعمال الإمام غسان خروجه إلى صحار لتوطيد الأمور هناك وذلك ان بوارج الهند و فارس بدا منها على بحر عمان فساد ، فكانو يخرجون غزاة للبحر ، فرآى الإمام من الضروري تأمين البحر لأن طريق المسلمين في البحر كطريقهم في البر يجب أن يكون آ مناً فخرج الإمام من نزوى قاصدا صحاروذلك لخمسة بقين من جمادى الأخرة سنة 201 هـ ، فنظم لهم جندا يصادفهم في البر قطعا لفسادهم ، فاتخذ الزوارق وهو أول من اتخذها لتأمين البحر وحماية شطوط عمان من القرصان الهنود ، فغزا الجيش العماني قراصنة البحر أينما حلوا وأينما ضعنوا ، فألقى الله الرعب في قلوبهم ، فهربوا وانقطع فسادهم وزال بغيهم وعنادهم . 

وفي زمانه عم الخصب وكثرت خيرات البلاد وكان الأمام غسان رحمه الله يخرج كل جمعة ليزور قبر الإمام الوارث رحمه الله ويمشي على الغيل في الوادي فيبقى هناك فيغتسل في ذلك الغيل ثم يعود إلى الجامع لأداء فريضة الجمعة ثم يرجع إلى الحصن وكان يتفقد الأحوال ويراعي بأحسيسه نعم الله تعالى ، فيرى الماء صافيا كأنما سال ذلك اليوم ، حتى رأى مرة بالماء طحلب فأقشعر جلده وتأوه وقال في نفسه : لعل حدثا وقع فتأثر منه هذا الماء ، فرراجع نفسه فلم يجد لديها شيء ، فأحضر أهل الأموال وقال لهم أنا أريد حرب الهند وبيت المال لا يكفي ، وأريد أن أجعل على التجار قرضا يكون أداء ه من بيت المال وأشاوركم في ذلك ، فقال أصحاب الأموال : التجار يسعون بالفائدة وإن قلت دراهمهم ضاعت المعاملة بيننا وبينهم ونحن أرباب الأموال والقرضة علينا بما تريد ، فقال في نفسه لا غير هاهنا ، ثم أحضر التجار وقال : اريد حرب الهند وخزانة بيت المال لا تكفي بمقاومة الحرب وأناظركم أريد أن اجعل قرضة لتقويم هذه الحرب من ارباب الأموال فما ترون ؟ فقال التجار : أصحاب الأموال أهل حرث وأكثر الحروث لا تكفي المغارم عليها ، وليس في أيديهم شيء مما يكفي لذلك ، ولكن نحن عندنا ما يريد الامام ، فقال الامام لا غير هاهنا ، ثم أحضر الوزراء وارباب الدولة فقال   أريد أن أجعل قرضة على التجار وأراباب الاموال في بيت المال لحرب الهند فما ترون ؟ وهو يريد بهذا السؤال كشف ما عندهم ، فقالوا هذا شيء وقع في قلوبنا من قبل ، فقال في نفسه الغير من هاهنا فاستبدل بهم غيرهم ، فلما مر الجمعة الثانية على الغيل لم ير شيئا ورأى الماء زائدا عن أصله .

وللإمام غسان أعمالا اختص بها وجعلها من بعده حجة يستند عليها ،  وقانونا يعتمد عليه ، فهو أول إمام قطع يد سارق بعمان تنفيذا لحدود الله وقياما بواجباته عزوعلا ، ومن أحكامه أيضا ما صار في فلج الخطم في منح وذلك أن السيل الذي غرق فيه الإمام الوارث بن كعب رحمه الله أتى على الفلج وأجتاحه ولم يعرف له أثر بعد انقطاع السيل ، فلم يجد أهل الفلج سبيلا لإخراج الفلج إلا في أموال أهل نزوى ، أي أن أهل نزوى كانت لهم حدائق وبساتين قرب الفلج ، فأمر الامام القاسم بن الأشعث وهو أحد زعماء الفلج أن يستر نفسه أي يختفي في مكان قريب من مجلس الإمام ، ثم أرسل الإمام إلى القاضي الوحيد في نزوى وهو العلامة سليمان بن عثمان ، فلما أتى إليه قال له يا أبا عثمان ما تقول في فلج القوم مثل فلج نزوى في أرض سمد وهي لبني أبي المعمر ، فأتى عليه السيل فاجتاحه فلم يقدروا إخراجه إلا في أموال الناس ، فهل لهم ذلك؟  فقال سليمان : نعم لهم ذلك ، فقال له الإمام : لهم ذلك بالثمن أم بغير الثمن ؟ فقال سليمان : لهم ذلك بالثمن ، فقال الامام الثمن يكون بما قال أرباب الأموال أم بقيمة العدول ؟ فقال له سليمان : بل بقيمة العدول . فلما عرف الامام غسان رأي سليمان بن عثمان في ذلك تمسك به فلما انصرف سليمان ارسل الى القاسم بن الاشعث فلما أتى قال الامام : اذهب فادع خصمائك فانطلق القاسم بن الاشعث ،  فأتى بهم الى الإمام وهم بنو زياد ، فلما حضروا معه طلب القاسم بن الاشعث مجرى لفلجهم بالثمن ، فقال أهل نزوى ليس علينا ذلك ، فقال لهم الامام هذا رأي سليمان ابن عثمان القاضي ، فانطلق أهل نزوى الى القاضي سليمان وأخبروه بما قال لهم الامام وقالوا له : إنه قال هذا رأي سليمان بن عثمان ،وكان القاضي من أهل نزور وله فيهم مقام محترم ، فقال لهم غرني الامام فانطلق سليمان فأتى الامام فقال : لقد رجعت عن رأي ذلك ، فقال له الامام : فاني لا أقيل وتمسك بذلك الرأي .

وقال الامام لأهل نزوى اذهبو فأخرجو لهم مجرى لفلجهم بالثمن ، فأبو عن ذلك وامتنعو فقال الامام لأهل منح : اذهبوا فأخرجوا فلجكم فأن طلبو الحق كان لهم ذلك ورأي المسلمين أو كما قال . فانطلق أهل منح فأخرجوا ساقية لفلجهم في أرض أهل نزوى برأي الامام غسان ، ولم تكن برأي أهل نزوى وهم كارهون لذلك وهو فلج الخطم .

 وفاته:-

عاش الامام غسان بن عبدالله الفجحي اليحمدي الازدي في إمامته بعمان خمس عشرة سنة وسبعة أشهر ومرض رحمه الله يوم الاربعاء لثمان بقين من ذي القعدة سنة 207 هـ ومات يوم الأحد بعد صلاة الفجر لأربع بقين من ذي القعدة من السنة المذكورة. فكان مرضه رحمه الله خمسة أيام فقضى الله عليه ، وبوفاته أصيب المسلمون أعضم مصاب ، إذ انهد طود عضيم من أطواد الاسلام الذي ملأ عمان هيبة تغمر الساحل والداخل ،  ويخضع للحق بها كل جاهل وعاقل ولكن الدهر لا يسالم أحدا ولله من يقدم على الله مقدم هؤلاء القادة القوام في عباد الله بأمره تعالى .