الإمام المهنا بن جيفر اليحمدي الخروصي

 

قال ابن رزيق :

                    وناظره المهنا في جهاد            فما نظر العدو له ارتقابـا

                    إمام أمـة في كل عين             يرى وبنابه السيف استنابا

                   وما هو سيفه سيف كهام            ولا سـيفا لأهل البغي هابا

                   ولمـا آل مهرة خالفـوه            وحادوا في عتوهم الصوابا

                  أتاح لهم قيودا عاثـقات             وسجنا يوجس الأبصاربابا

                ومذشهدوا التباب دنا فتابوا            وكان يقيل ممن قيـل تابا

                 ففكهم وقد نصبـت بفرق              أليهـم وهي سارية عقابا

                 فأدوا حولها مما عليهـم               إليه أوجب الشرع النصابا

                كساه هيبة  رب البرايـا                فما أبقى بها الأسد الغضابا

              وأحسب لو عليها ينضوا نابا              لما أبقى لها ظفرا ونابا

               فمات بهيبة لم تنب حدا                 وعدل بالإضاءة  ما تغابا

  بيعته :-

هو الإمام المهنا بن جيفر الأزدي لقد عقدت له الإمامة في يوم الجمعة في شهر رجب سنة ست وعشرين ومائتين ، وهو اليوم الذي مات عبدالملك في ليلته ، بايعه موسى بن علي رحمه الله عن مشورة المسلمين على طاعة الله وطاعة رسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فوطأ آثار المسلمين وسار سيرتهم .وكان المهنا رجلا مهيبا وكان له حزم في رأيه وكان لا يتكلم احد في مجلسه ولا يعين خصما على خصم ، ولا يقوم أحد من أعوانه ما دام قاعدا حتى ينهض ، ولا يدخل أحد العسكر ممن يأخذ النفقة إلا بالسلاح ، وكان له ناب يفتر عنه إذا غضب فتظهر منه هيبة عظيمة ، واجتمعت له من القوة البرية والبحرية من شاء الله قيل إنه اجتمع له في البحر ثلاثمائة مركب مهيأة لحرب العدو ، وكان عنده بنزوى سبعمائة ناقة وستمائة فرس تركب عند أول صارخ ، فما ضنك بباقي الخيل والركاب في سائر ممالكه وكانت عساكره في نزوى عشرة آلاف مقاتل ، هؤلاء بنزوى خاصة فكيف بعساكر غيرها ، وكثرت الرعايا في زمانه حتى بلغ سكان سعال وهي محلة من نزوى أربعة عشر ألفاً.

 سيره  وأحكامه :-

 كان الإمام رحمه الله في حياته قد استعمل على صدقة الماشية ليجمعها عبدالله بن سليمان وهو رجل من بني ضبة من أهل منح ، وكان يسكن عز فقيل أنه دخل ارض مهرة مصدقا ووصل إلى رجل منهم يقال له وسيم بن جعفر وهو من زعمائهم وقد وجبت عليه فريضتان ، فامتنع إلا أن يعطي فريضة واحدة وقال : إن شئت أن تأخذ فريضة واحدة وإلا فانظر إلى قبور أصحابكم ، ولعله يريد قبور ممن قتل هناك من الشراة أيام عبد الملك ، فقد وقع بين الامام وبعض مهرة حرب فأرسل إليهم السرايا حتى أذعنوا فسكت عنه عبدالله ورجع ، وكان عنده جمال فلما وصل إلى عز تأخر عبدالله في عز وأرسل الجمّال إلى الإمام فقدم عليه وهو في مجلسه ، فلما ارتفع عن مجلسه دعا بالجمال فسأله عن عبدالله وكيف كان سفره فأخبره بما كان من وسيم ، فقال الامام للجمّال: لا تخبر احدا بما اخبرتني واكتم ذلك فلما وصل عبدالله بن سليمان سأله الامام عن خبر وسيم فأخبره بمثل ما أخبره الجمال فكتب الامام من وقته إلى والي أدم ووالي سناو ووالي جعلان أن إذا ظفرتم بوسيم بن جعفر المهري فاستوثقوا منه واعلموني فكتب إليه والي أدم أني قد استوثقت منه وانه حصل  فأنفذ إليه الامام يحيى اليحمدي المعروف بأبي المقارش مع جماعة من أصحاب الخيل ثم أنفذ كتيبة أخرى فلقوهم بالمنائف ، ثم أنفذ كتيبة أخرى فلقوهم في قرية عز ثم أنفذ كتيبة أخرى فلقوهم في قرية منح ، فلم تزل الكتائب تتراسل والرماح تحتمله حتى وصلو به إلى نزوى فأمر الامام بحبسه فمكث سنة لا يقدر أحد يذكر فيه  ولا يسأل عن أمره حتى وصل جماعة من المهرة فاستعانو على المهنا بوجوه اليحمد فأجابهم على إطلاقه وشرط عليهم ثلاث خصال : أما أن يرتحلوا من عمان وإما أن يأذنوا بالحرب وإما أن يحضروا الماشية كل حول على عسكر نزوى وتشهد على حضورها العدول أنه لم يتخلف منها شيء ونعد ل الشهود المعدولون بأدم فقالوا : أما الارتحال فلا يمكننا وأما الحرب فلسنا نحارب الامام واما الأبل فنحن نحضرها ، فعند ذلك عدل الامام الشهود فكانوا يحضرون إبلهم في كل سنة تدور.

وفي زمانه تحرك بنو الجلندى ، ورأسهم يومئذ المغيرة بن روشن الجلنداني وشايعهم ناس من أهل الفتنة ، فدخلوا توام (البريمي ) وكان ابوا الوضاح واليا عليها للامام فقتلوه  رحمه الله ، وأرسل الإمام إليهم جمعا ولى عليهم الصقر ابن عزان وكان أبو مروان واليا للامام على صحار فسار بمن عنده من الناس وسار معهم المطار الهندي ومن  معهم من الهندي ، وبلغ الجش فيما قيل اثنا عشر ألفا ، فقتل من قتل من البغاة وهزم الله جمعهم وهرب من هرب فرق الله شملهم .

وفي زمانه وقع الكلام بعمان في خلق القرآن وهي مسألة جيء بها من البصرة فأنتشر الكلام فيها وعظمت بها البلية في عمان وغيرها ، وسببها شبهة ألقاها إلى أ÷ل الحديث في البصرة أبو شاكر الديصاني وكان ممن يقول  بقدم الأشياء فحسد المسلمين على حسن الحال الذي رآهم فيه فأضهر الزهد والتقشف ، ثم ألقى إليهم  أن القرآن قديم ليس بمخلوق فقبلها قوم وأ،كرها آخرون وانتشرت في الآفاق وتكلم فيها علماء الأمصار .

  جاء في تحفة الأعيان أن الامام قد أسن وكبر حتى أقعد فاجتمع الى موسى بن علي جماعة من الناس ، وهو أي موسى بن علي  قاض للامام المذكور ، وهو شيخ المسلمين يومئذ ومرجع الفتوى ورأس أهل الحل والعقد فقالوا له : إن هذا الرجل يعنون الامام قد أسن وكبر وضعف عن القيامن بذا الأمر ، يعنون الإمامة ، فلو اجتمع الناس إمام يقيمونه مكانه كان أضبط وأقوى على ذلك ، قال فخرج موسى الى الامام ، فلما دخل عليه جعل يسأله عن أحواله ، فعرف الامام معناه وفهم مراده بذلك ، فقال له : يا أبا علي الي والله لئن أطعت أهل عمان ما يريدون ، لا أقام إمام معهم سنة واحدة ، وليجعل لكل حين إمام ويولون غيره ارجع الى موضعك فما أذنت لك في الوصول إلي ، ولا استأذنتني فلا تقم بعد هذا القول ، وهذا مافهم الامام الشيخ الولي ، وأنه لحق لا يجهله من مارس الأمور وتنبه للمحذور .

 وفاته :-

توفي الامام المهنا رحمه الله يوم الجمعة والناس في المسجد ، قد حضروا لصلاة الجمعة ، فبعد الأذان الأول جاءهم خبر وفاة الإمام ، فلم يقولوا في صلاتهم شيئا ، فصلوا جمعتهم ضهرا ، وقامو لتجهيز إمامهم وذلك لست عشرة خلون من ربيع الأخر سنة 237هـ.